Skip to content

تجربتي الشخصية كمبرمج مواقع محترف

تجربتي الشخصية كمبرمج مواقع محترف

5 غشت 2016 | 00:00

على عكس عدد كبير من المطورين الذين يقولون بأنهم عشقوا الحاسوب والبرمجة منذ نعومة أظافرهم، لم أكن مهتما أبدا بالبرمجة ولا بشيء اسمه برمجة الويب قبل عام 2008.

اشترى لي والدي الحاسوب لأول مرة عام 2001 على ما أذكر بثمن 7000 درهم (حوالي 750 دولار) وكان عبارة عن صندوق أبيض كبير الحجم وبإمكانيات جيدة إلى حد بعيد آنذاك (Pentium 3, 256 Mo RAM). كنت أستعمل هذا الحاسوب ولكن فقط كما يفعل عامة الناس أبحر من موقع لآخر، أشاهد فيديوهات في اليوتيوب، أدردش في برنامج MSN Messenger وأذكر أني قمت بإنشاء مدونة على موقع Skyrock وكنت أشارك فيها بعض الصور والفيديوهات من هنا وهناك.

في عام 2007 التحقت بكلية الإقتصاد والقانون بمدينتي الأم أكادير، وسط المغرب، بعد حصولي على بكالوريا علوم تجريبية بمعدل 13.25 من 20. أمضيت فيها عاما واحدا فقط ولكني لم أتأقلم مع أجواء الكلية وحالة اللانظام التي تسود فيها ولكني لم أجد البديل أو على الأقل الشخص الذي يوجهني وينصحني.

المنعرج الأول

استمر الوضع على هذا الحال حتى عيد الفطر من ذات العام، حينما ذهبت مع ابن عمي لزيارة أحد أقاربه وكانت مهنته مبرمج مواقع. تبادلنا أطراف الحديث وتكلم لي عن تخصصه وعن المسار الدراسي الذي سلكه فأحسست بنوع من الإنجداب لما قاله لي وأدركت أني وجدت ضالتي.

بعد خروجنا من عنده عقدت العزم على أن أغير تخصصي ومساري الدراسي وهو فعلا ما قمت به بداية من العام الجديد حيث قمت بالتسجيلبالمعهد المتخصص في التكنولوجيا التطبيقية شعبة تقنيات تطوير المعلوميات وتم قبولي وبعد ذلك قمت بسحب شهادة البكالوريا من الكلية وقدمتها للمؤسسة الجديدة التي التحقت بها.

هنا أحسست للمرة الأولى أنني أقوم بشيء أحبه، فأدركت حينها لذة البرمجة وتعرفت هناك على أصدقاء رائعين بقينا معا لمدة عامين هي مدة التكوين داخل المعهد. بعد تخرجي وحصولي على ديبلوم تقني متخصص في تطوير المعلوميات عام 2010، كان علي البحث عن عمل وهذه معضلة عند الشباب المغربي والعربي بصفة عامة خاصة وأن مدينة أكادير آنذاك لم تكن تضم شركات أو مقاولات متخصصة في المجال. المعضلة الثانية والأخطر هي أن اللغات والبرامج التي درسنا لم تكن مطلوبة على الإطلاق في سوق الشغل إلا في بعض الشركات الكبرى في العاصمة الإقتصادية الدارالبيضاء، فمثلا درسنا واشتغلنا كثيرا على بيئة دوت نيت Microsoft .NET ولا تكاد تجد شركة أو مقاولة تعمل بهما في أغلب مدن المغرب. في العام الثاني درسنا بعض تقنيات الويب ولكن المستوى العام وبيداغوجية التعليم كانا سيئين للغاية ومتدربو المعاهد المتخصصة للتكنولوجيا التطبيقية بالمغرب يفهمون جيدا ماذا أقول.

مبرمج مواقع محترف لأول مرة

بعدما لم أستطع إيجاد عمل أو فرصة للتدريب، قررت أن أواصل في المعهد ستة أشهر أخرى لدراسة بيئة J2EE لبرمجة تطبيقات جافا وفعلا بدأ العام الدراسي الجديد وبدأنا التكوين واستمررت على هذا النحو لمدة شهر تقريبا حتى اتصلت بنا شركة لبرمجيات الويب في مدينة أكادير لاجتياز مباراة من أجل الإلتحاق بإحدى دوراتها التدريبية، نجحت في المقابلة أنا وعدد من أصدقائي، كنا حوالي 9 أشخاص، وتركت التكوين الذي بدأته بالمعهد والتحقت من دون تردد بالدورة التكوينية بالشركة استمرت أربعة أشهر بعد ذلك قامت الشركة بتوظيفنا جميعا باستثناء متدربين اثنين فقط وعندها بدأت رحلتي كمبرمج مواقع محترف.

هذه الشركة كانت متوسطة الحجم ولكنها كانت تحصل على مشاريع قوية من خارج المغرب، فرنسا خصوصا، واستفدنا كثيرا منها ومن التجارب التي كنا نخوضها كل يوم في تسليم أعمالنا في الوقت المحدد والإرتقاء بمستوانا كمطوري واجهات أمامية (بدأت كمطور واجهات أمامية Frontend Web Developer) ولهذا من دون شك أعتبر تلك الشركة مدرسة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ففيها تعلمنا أشياء لم نعرف أصلا عنها شيئا عندما كنا ندرس في المعهد!! هذا برغم أن الأجور كانت زهيدة وغير مرضية لنا ولكن الرغبة في التعلم والتقدم نحو الأمام كانت أهم من المال في ذلك الوقت بالنسبة لنا.

اكتسبت في هذه الشركة عددا من المهارات الأساسية :

وقت التغيير وبداية المسار في العمل الحر

استمررت في الشركة حوالي عام وبضعة أشهر ولكن جاء الوقت الذي أحسست فيه أنني لم أعد أتطور كما في السابق، هامش التحسن لم يعد كبيرا بفعل نظام التراتبية العمودي الذي كانت تقوم عليه الشركة، لهذا بدأت أفكر بتقديم استقالتي وهو ما تم فعلا في نهاية عام 2011 وغادرت الشركة وأنا على العموم راض عما قدمته واكتسبته من مهارات وتجربة غنية وازدادت ثقتي بنفسي مما جعلني أفكر بالعمل كمبرمج حر Freelancer مع صديق لي اسمه أسامة هو أيضا استقال من العمل كمبرمج فلاش Adobe Flash في نفس الشركة.

بدأنا مسار العمل الحر بالحصول على أول عميل كان يمتلك محلا لبيع الهواتف النقالة وأجزائها، وأراد إنشاء متجر إلكتروني لعرض بضاعته وأخبرناه بأننا سنقوم بإنجاز المهمة كما يريد، واتفقت مع أسامة على أن يتم تطوير هذا المشروع بالإعتماد على نظام PrestaShop بحيث أتولى مهمة الواجهة الأمامية بينما يقوم هو بتولي مهمة الواجهة الخلفية.

اجتمعنا في المرة الأولى مع الرجل واتفقنا على كافة تفاصيل المشروع باستثناء الثمن الذي اختلفنا فيه فلقد عرض علينا الرجل مبلغا أقل ما يقال عنه أنه غير مرضي ومع ذلك حاولنا التفاوض لتحسين المبلغ قليلا على اعتبار أنه المشروع الأول لنا والأهم كسب رضى العميل وبناء سمعة جيدة. المهم اتفقنا وقررنا أن نزور العميل في محله وحددنا التاريخ لذلك.

من الفشل يتعلم المرء

الفشل خطوة في طريق النجاح

عند حلول ذلك التاريخ حاولنا مرارا وتكرارا الإتصال به ولكن لم يجب على اتصالاتنا وكأنه غير رأيه ولم يقدر على دفع التسبيق الذي اتفقنا عليه في اجتماعنا، ورغم أننا كنا في حاجة إلى المال آنذاك إلا أن كرامة المبرمج كانت لها كلمتها فلم نستمر في الإتصال به بعد ذلك، على العكس، حاول الإتصال بنا بعد ذلك بأيام ولكننا لم نعره اهتماما لأنه فشل في اختبار احترام المواعيد وتنفيد ما وعد به.

تجربتي الثانية كموظف

مضت أيام على هذه الحادثة واتصل مدير شركة حديثة النشأة في نفس المدينة وطلب مني أن ألتحق بشركته والعمل معه وبعد مدة وجيزة من التفكير قررت أن أقبل عرضه وبدأت العمل معه في بداية شهر فبراير من عام 2012 وبصراحة استفدت من هذه التجربة كثيرا وتعرفت فيها على أشخاص أكثر من رائعين.

الجميل في هذه الشركة، عكس الشركة الأولى التي عملت معها، هو أن العلاقات بين المبرمجين كانت أفقية وكان مدير المشاريع يتصرف وكأنه في نفس مستوانا، رغم أنه بصراحة كان مستواه متقدم جدا، وكنا ندردش ونضحك ونحن نعمل في نفس الوقت والأجواء كانت فكاهية أخوية وربما السبب في هذا أننا كنا قليلي العدد (لم يتجاوز 6 أشخاص).

هذه الفترة كانت إيجابية بالنسبة لي كوني :

حان وقت التغيير من جديد وتجربتي الأولى مع مدير فرنسي

هذه التجربة استمرت لمدة عام وشهرين بالضبط حتى قررت المغادرة مرة أخرى لخوض تجربة في شركة ثالثة كان عرضها مغريا ولم أقاومه، مديرها كان فرنسيا وكانت مختصة في تطوير برامج إدارة موارد المؤسسات (ERP) بتنقنيات تعتمد على لغة 4D وهي لغة برمجة فرنسية وتكتب بالفرنسية :) إضافة للغة الجافاسكريبت وكنت مكلفا بشق الجافاسكريبت ولكن بعد بضعة أسابيع طلب مني أن أعمل على 4D كذلك وفعلت ذلك إلا أن العمل لم يعجبني كون اللغة غير معروفة وغير مطلوبة في السوق إطلاقا وحتى غوغل لا يعرفها جيدا، لهذا لم أتألق كما ينبغي في وظيفتي هذه ولم أوفق في هذه التجربة واتفقت مع المدير على أن ننهي العقدة التي بيننا وديا.

العمل الحر من جديد، هذه المرة بأجر شهري

هذه التجربة لم تكن بالنجاح الذي توقعته وتصادف موعد مغادرتي تلك الشركة مع ازياد ابني محمد، ولذلك قررت أن أعيش تلك الأيام الرائعة مع ابني أراه في كل لحظة وأبقى مع زوجتي التي كانت في حاجة لمساعداتي وتواجدي بجانبها بالمنزل، هذا ما دفعني لعدم البحث عن عمل آخر وفضلت العمل من المنزل للمرة الثانية ولكنها كانت أفضل من الأولى بكثير حيث أن مستواي المهني ارتفع وتقدم أكثر وكونت معارف وأصدقاء، من الذين عملت معهم وتعرفت عليهم في مشواري كموظف، ولذلك لم أجد صعوبات تذكر في الحصول على مشاريع أعمل عليها، سرعان ما اتصل بي مدير الشركة الثانية التي اشتغلت فيها وطلب مني العمل على مشروع دروبال فقبلت دون تردد وأنجزت المهمة بنجاح بالرغم من الصعوبات التي وجدتها في التوفيق بين حياتي الشخصية والمهنية نظرا للظروف التي ذكرتها آنفا.

بعد الإنتهاء من هذا المشروع بأيام معدودة اتصل بي شخص آخر يعمل في مدينة مراكش، تبعد عن مدينة أكادير بحوالي 240 كلم، مع شركة للبرمجيات وطلب مني الإشتغال معهم في موقع ووردبريس، قبلت وكانت تلك المرة الأولى التي يدفع لي فيها على أساس عدد الساعات التي أقضيها في المشروع، وأنجز المشروع بنجاح ونال رضى صديقي المراكشي. بعدها اشتغلنا على مشاريع أخرى دائما في إطار العمل الحر، حتى جاء اليوم الذي طلبوا مني فيه الإشتغال معهم كموظف عن بعد وبأجر شهري عوض الدفع عن كل مشروع.

صعوبة التواصل

قبلت العرض وبدأت العمل معهم لثمان ساعات يوميا، كان الوضع جيدا في البداية وأنجزنا مشاريع بصفة عادية وكان التواصل عبر Skype و Gtalk ولكن الأمور كانت تزداد صعوبة مع مرور الأيام في ناحية التواصل بيننا والتواصل كما نعرف جميعا غاية في الأهمية للمتدخلين في أي مشروع برمجي. صعوبة التواصل هذه كانت السبب الرئيسي في فسخ العقدة بيننا بالتراضي بعد ستة أشهر بالضبط من العمل معهم، كان ذلك في ماي 2014، ولا أنسى هنا أن أشيد بمدير تلك الشركة حيث كان إنسانا قمة في الأخلاق وذو ذوق عالي كما يقول إخواني المصريين.

هذه التجربة كانت غنية جدا بالنسبة لي ففيها تعلمت المهارات التالية :

بعدها مباشرة واصلت حياتي بصفة عادية كمبرمج حر وعملت على مشاريع عديدة حتى نهاية العام ووصلني عرض من إحدى الشركات للعمل معهم على مشروع ضخم، وهو مشروع لإحدى مؤسسات الدولة، اختاروا له نظام دروبال وذلك بعقد يمتد لأربعة أشهر قابلة للتجديد.

تجربتي الأولى بعقدة محدودة

لم أجد بدا من قبول العرض كون القائمين على الشركة شباب في مثل عمري والتجربة بدت لي أنها ستكون رائعة وسأكتسب منها تجارب تغني مساري الإحترافي. ولكن للأسف تم إلغاء المشروع من طرف القائمين على تلك المؤسسة من دون سابق إنذار وكانت ضربة موجعة للشركة التي تعاقدت معي ومع ذلك لم نفسخ العقد الذي كان بيننا بل استمررت معهم مدة 9 أشهر كانت من أروع الفترات التي أقضيها في شركة ما، وهذا بفضل عقلية زملائي في الشركة بحيث أنها كانت شركة على النمط الأمريكي تقريبا، يركزون أكثر على النتيجة وليس على البروتوكولات، مثل وقت الدخول، وقت الخروج، وهذه البروتوكولات بالضبط هي ما جعلني أكره الوظيفة من قبل، بحيث أن المدراء يعاملونك وكأنك روبوت وأرقام، ولست ألومهم صراحة فالرأسمالية جعلت الكل في العالم يبدون مثل العبيد لأناس آخرين. لهذه الجزئية بالضبط أفضل العمل دائما لحسابي وتنظيم وقتي كما أريد على أن أعمل لحساب شخص آخر وأعمل كما يريد.

العودة إلى دفئ العمل الحر

بعد انقضاء فترة عملي بهذه الشركة (لازلت أعمل مع أصدقائي فيها)، عدت إلى مكاني المفضل وهو مكتبي في المنزل حيث أكتب لكم هذه الأسطر لتستمر مسيرتي كمبرمج حر وكإنسان يبحث ويسعى دائما للحرية والحياة الطبيعية عوض حياة الروبوتات والروتين.

في العمل الحر أحس أكثر بقيمتي كإنسان، بل وأتطور وأكتسب مهارات وتقنيات جديدة لم أكن لأكتسبها وأنا موظف. في العمل الحر كذلك تدرك قيمة الوقت وكيفية تنظيمه على النحو الذي لا يتعارض مع جوانب حياتك الأخرى.

هكذا تكونت شخصيتي منذ الصغر، لا أستطيع البقاء طويلا في نفس المكان، والتغيير والرغبة في التطور يدفعانني دائما للبحث عن آفاق جديدة.

عيسى محمد علي
عيسى محمد علي
مطور ويب متخصص في الواجهات الأمامية، أحب التدوين وإغناء المحتوى التقني للغة الضاد وهذا كان السبب الرئيسي في إنشائي لمدونة توتومينا.